هي: أسماء بنت أبي بكر (عبدالله بن أبي قحافة عثمان)، وأمها: هي قُتيلة بنت عبدالعزى العامرية.
أسلمت أسماء - قديمًا - بمكة في أول الإسلام، بعد سبعة عشر نَفْسًا؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير جـ 8صـ352).
روى البخاري عن أسماء رضي الله عنها قالت: صنعتُ سُفرةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة، قالت: فلم نجد لسُفرتِه (طعام يتخذه المسافر)، ولا لسقائه (وعاء من الجِلد يوضع فيه الماء، ويكون عادةً من جلد مستدير) ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر: والله ما أجد شيئًا أربط به إلا نطاقي (ما تشُد به المرأةُ وسطها)، قال: فشقِّيه باثنين، فاربطيه: بواحد السقاء، وبالآخر السفرة، ففعلتُ، فلذلك سميت ذات النطاقين؛ (البخاري حديث: 2979).
قالت أسماء بنت أبي بكر: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه، أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي، قالت: فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشًا خبيثًا، فلطم خدِّي لطمةً طَرَحَ منها قرطي، ثم انصرفوا، فمكثنا ثلاثَ ليالٍ، وما ندري أين وجهُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، حتى أقبَلَ رجل من الجنِّ من أسفل مكَّة، يتغنَّى بأبياتٍ من شعر غناء العرب، وإنَّ الناس ليتَّبعونه، يسمعون صوته وما يرونه، حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول:
(سيرة ابن هشام جـ1 صـ487).
هجرة أسماء:
هاجرت أسماء وزوجها الزبير، وهي حامل متمٌّ بولدها عبدالله، فوضَعَتْه بقُباء، أول مَقدَمِهم المدينة، ثم ولدت للزبير بعد ذلك عروة، والمنذر، وعاصمًا، والمهاجر، وخديجة الكبرى، وأم الحسن، وعائشة، ثم طلَّقها الزبير بن العوام، فكانت عند ابنها عبدالله؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد جـ8 صـ196).
تكريم النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء:
روى البخاري عن عروة بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنها حملت بعبدالله بن الزبير بمكة، قالت: فخرجت وأنا متمٌّ، فأتيت المدينة فنزلت قباء، فولدتُ بقباء، ثم أتيتُ به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فوضَعْته في حجره، ثم دعا بتمرةٍ فمَضَغَها، ثم تفل في فيه، فكان أولَ شيء دخل جوفه ريقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حنَّكه بالتمرة، ثم دعا له فبرَّك عليه، وكان أول مولود وُلد في الإسلام، ففرحوا به فرحًا شديدًا؛ لأنهم قيل لهم: إنَّ اليهود قد سحَرَتكم فلا يولد لكم؛ (البخاري حديث: 5469).
شهدت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها موقعة اليرموك مع ابنها وزوجها؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير جـ 8 صـ352).
نزول القرآن في شأن أسماء:
قال الله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].
روى ابن جرير الطبري (رحمه الله) عن عبدالله بن الزبير، عن أبيه، قال: نزلت في أسماء بنت أبي بكر، وكانت لها أمٌّ في الجاهلية يقال لها: قتيلة بنت عبدالعزى، فأتتها بهدايا وصِنَابٍ وأقط وسمن، فقالت: لا أقبل لك هديةً، ولا تدخلي عليَّ حتى يأذن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فذَكَرْت ذلك عائشةُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8]؛ (تفسير ابن جرير الطبري جـ25 صـ610).
روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قلت: وهي راغبة أفَأَصِل أمِّي؟ قال: ((نعم، صلِّي أمَّكِ))؛ (البخاري حديث 2620 / مسلم حديث 1003).
قال ابن حجر العسقلاني: وهي راغبة؛ أي: طالبة في برِّ ابنتها لها، خائفة مِن ردِّها إياها خائبةً؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني جـ5 صـ277).
نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء:
روى أبو داود عن عبدالله بن أبي مُلَيْكَة قال: حدثتني أسماء بنت أبي بكر، قالت: قلت: يا رسول الله، ما لي شيء إلا ما أدخل عليَّ الزبير بيتَه، أفأُعطي (أي: أتصدَّق) منه؟ قال: ((أَعطي، ولا توكي (لا تدَّخري وتمنعي ما في يدك عن الصدقة)، فيوكى عليك - ينقطع الرزق عنك))؛ (حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني حديث: 1490).
أسماء تتصدَّى للحجَّاج بن يوسف:
روى مسلم عن أبي نوفل، رأيت عبدالله بن الزبير على عقبة المدينة، قال: فجعلت قريش تمرُّ عليه والناس حتى مرَّ عليه عبدالله بن عمر، فوقف عليه فقال: السلام عليك أبا خبيب (كنية عبدالله بن الزبير)، السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، أمَا والله لقد كنتُ أنهاك عن هذا، أمَا والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنتُ أنهاك عن هذا، أمَا والله إن كنتَ - ما علمتُ - صوَّامًا، قوَّامًا، وصولًا للرحم، أمَا والله لأُمَّةٌ أنت أشرُّها لأَمَّةُ خيرٍ، ثم نفذ (انصرف) عبدالله بن عمر، فبلغ الحجَّاجَ موقفُ عبدالله وقولُه، فأرسَلَ إليه، فأُنزل عن جذعه، فألقي في قبور اليهود، ثم أرسل إلى أمِّه أسماء بنت أبي بكر، فأبت أن تأتيَه، فأعاد عليها الرسول: لتأتيني أو لأبعثنَّ إليك مَن يسحبك بقرونك (يجرُّك بضفائر شعرك )، قال: فأَبَت وقالت: والله لا آتيك حتى تبعث إليَّ من يسحبني بقروني، قال: فقال: أروني سِبْتَيَّ (نوع من النعال) فأخذ نعليه، ثم انطلق يَتَوَذَّفُ (يُسرِع)، حتى دخل عليها، فقال: كيف رأيتِني صنعتُ بعدوِّ الله؟ قالت: رأيتك أفسدتَ عليه دنياه، وأفسَدَ عليك آخرتك، بلَغَني أنك تقول له: يا بن ذات النطاقين، أنا واللهِ ذات النطاقين، أما أحدهما فكنت أرفع به طعامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعامَ أبي بكر من الدواب، وأمَّا الآخَر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه، أمَا إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حدَّثنا: ((أنَّ في ثقيف كذَّابًا ومبيرًا))، فأمَّا الكذَّاب فرأيناه (المختار بن أبي عبيد الثقفي)، وأمَّا المبير (المهلك)، فلا إخالك (أظنك) إلا إياه، قال: فقام عنها ولم يراجعها؛ (مسلم حديث: (2545).
وفاة أسماء بنت أبي بكر:
روى الحاكم عن مصعب بن عبدالله بن الزبير، قال: "ماتت أسماء بنت أبي بكر بعد قتل ابنها عبدالله بن الزبير بليالٍ، وكان قتله يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلةً خَلَت من جمادى الأولى سنة ثلاثٍ وسبعين"؛ (مستدرك الحاكم جـ4 صـ72).
كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها خاتمةَ مَن مات من المهاجرين والمهاجرات؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ2 صـ296).
بلغت أسماء بنت أبي بكر من العمر مائة سنة ولم يسقط لها سنٌّ، ولم يُنكَر لها عقلٌ رحمها الله تعالى؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير جـ8 صـ352).