هو سُفْيان بن
سعيد بن مسروقٍ الثَّوري،إمام الحفاظ في زمانه.
كنيته: أبو
عبدالله.
ميلاد الثَّوري:
ولد سُفْيان
الثَّوري سنة سبعٍ وتسعين في خلافة سليمان بن عبدالملك؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد
جـ 6 صـ 371).
والد سُفْيان
الثَّوري:
هو المحدِّث
الصادق سعيد بن مسروقٍ الثَّوري، وكان من أصحاب الشعبي، وخيثمة بن عبدالرحمن، ومن
ثقات الكوفيين، وعداده في صغار التابعين،روى له الجماعة الستة في دواوينهم.
وحدث عنه:
أولاده: سُفْيان الإمام، وعمر، ومبارك، وشعبة بن الحجاج، وزائدة، وأبو الأحوص،
وأبو عوانة، وعمر بن عبيدٍ الطنافسي، وآخرون،ومات سنة ست وعشرين ومائةٍ؛ (سير
أعلام النبلاء للذهبي جـ 7 صـ 230).
شيوخ الثَّوري:
أيوب
السَّخْتياني، وبهز بن حكيمٍ، وجبلة بن سحيمٍ، وجعفر الصادق، وحماد بن أبي سليمان،
وحميد الطويل، وربيعة الرأي، وزبيد اليامي، وزيد بن أسلم، وسعيد الجُريري، وأبو
حازمٍ سلمة بن دينارٍ، وسليمان الأعمش، وشعبة بن الحجاج، وصفوان بن سليمٍ، وعاصم
بن أبي النَّجود، وعاصم الأحول، وعبدالله بن أبي بكرٍ بن حزمٍ، وعبدالله بن
دينارٍ، وأبو الزناد، وعبدالله بن شدادٍ الأعرج، وعبدالله بن طاوسٍ، وعبدالعزيز بن
رفيعٍ، وابن جريجٍ، وعلي بن بذيمة، وعمرو بن ميمون، وقيس بن مسلمٍ، وليث بن أبي
سليمٍ،وابن إسحاق، ومحمد بن أبي بكرٍ بن حزمٍ، وابن أبي ذئبٍ، وابن أبي ليلى،
ومحمد بن المنكدر، ومعمر بن راشدٍ، وهشام بن عروة، وأبو إسحاق السبيعي، ويقال: إن
عدد شيوخه ستمائة شيخٍ، وقد قرأ سُفْيان الثَّوري القرآن كله على حمزة الزيات أربع
مراتٍ؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 7 صـ 234: 230).
تلاميذ الثَّوري:
حدث عنه من
القدماء من مشيخته وغيرهم خلق، منهم: الأعمش، وابن جريجٍ، وجعفر الصادق، وأبو
حنيفة، والأوزاعي، وابن أبي ذئبٍ، ومسعر، وشعبة، ومعمر - وكلهم ماتوا قبله،وأبو
إسحاق الفزاري، وأحمد بن يونس، وابن عُلَية، وجرير بن عبدالحميد، وحفص بن غياثٍ،
وأبو أسامة، ورَوْح بن عبادة،وسُفْيان بن عيينة، وأبو داود الطيالسي، وعبدالله بن
المبارك، وعبدالرحمن بن مهدي، وعبدالرزاق، وأبو نعيمٍ، وفضيل بن عياضٍ،ومالك بن
أنس، ومحمد بن يوسف الفريابي، ووكيع بن الجراح، ويحيى بن آدم، ويحيى القطان، ويوسف
بن أسباطٍ، وأمم سواهم؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 7 صـ 236: 234).
فقه الثَّوري:
(1) قال الخليفة
المهدي لزوجته الخيزران: أتزوج عليك، قالت: لا يحل لك أن تتزوج علي، قال: بلى،
قالت: بيني وبينك من شئت، قال: ترضين بسُفْيان الثَّوري؟ قالت: نعم، قال: فوجَّه
إلى سُفْيان الثَّوري فقال: إن أم الرشيد تزعم أنه لا يحل لي أن أتزوج عليها، وقد
قال الله عز وجل: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى
وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ [النساء: 3]، ثم سكت، فقال له سُفْيان: أتم الآية، يريد
قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ﴾ [النساء: 3]، وأنت
لا تعدل، قال: فأمر لسُفْيان بعشرة آلاف درهمٍ، فأبى أن يقبلها؛ (وفيات الأعيان
لابن خلكان جـ 2 صـ 389).
(2) قال سُفْيان
الثَّوري: إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي قد اختلف فيه، وأنت ترى غيره، فلا
تَنْهَهُ؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6 صـ 367).
(3) قال أبو
حذيفة العجلي: قال لي سُفْيان الثَّوري: أتدرون ما تفسير: لا حول ولا قوة إلا
بالله؟ يقول: لا يعطي أحد إلا ما أعطيت، ولا يقي أحد إلا ما وقيت؛ (حلية الأولياء
لأبي نعيم جـ 7 صـ 10).
(4) قال سُفْيان
الثَّوري: لا يأمر السلطانَ بالمعروف إلا رجلٌ عالمٌ بما يأمر عالمٌ بما ينهى،
رفيقٌ فيما يأمر رفيقٌ فيما ينهى، عدل فيما يأمر عدل فيما ينهى؛ (حلية الأولياء
لأبي نعيم جـ 6 صـ 379).
(5) قال يحيى بن
حفصٍ: سمعت سُفْيان الثَّوري، يقول في قوله: "﴿ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ
وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [النور: 37] الآية قال: كانوا يشترون ويبيعون
ولا يدَعون الصلوات المكتوبات في الجماعة"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 7 صـ
15).
(6) قال خلف بن
تميمٍ: "دخل إياس بن عمرو بن يزيد بن عقالٍ مسجد سُفْيان الثَّوري، فقال:
أبلَغك يا أبا عبدالله أن قول: لا إله إلا الله، عشر حسناتٍ، والحمد لله، والله
أكبر عشر؟ فقال: كذا أبلغنا، وقال: فما تقول فيمن كسب ثلاثين ألف درهمٍ من غير
حقها وقال: أقعد وأسبح وأحمد وأكبر حتى أعمل من الحسنات بعدد هذه؟! فقال سُفْيان
الثَّوري: فليردها قبل؛ فإنه لا يُقبَل له ذِكر إلا بردها"؛ (حلية الأولياء
لأبي نعيم جـ 7 صـ 10).
شدة خوف الثَّوري
من الله:
(1) قال
عبدالرحمن بن مهدي: ما عاشرت في الناس رجلًا أرقَّ من سُفْيان الثَّوري، وكنت
أراقبه في الليلة بعد الليلة ينهض مرعوبًا، ينادي: النار النار، شغلني ذكر النار
عن النوم والشهوات؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 10 صـ 219).
(2) قال أبو
نعيمٍ: كان سُفْيان الثَّوري إذا ذكر الموت لا ينتفع به أيامًا، فإذا سُئل عن
الشيء قال: لا أدري، لا أدري؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6 صـ 387).
(3) قال علي بن
عثامٍ: "مرض سُفْيان الثَّوري بالكوفة، فبعث بمائه إلى متطببٍ بالكوفة، فلما
نظر إليه قال: ويلك بول من هذا؟ فقال: ما تسأل؟ انظر ما ترى فيه، قال: أرى بول
رجلٍ قد أحرق الخوفُ كبده، والحزنُ جوفه"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 7 صـ
14).
الثَّوري يرفض
تولية القضاء:
قال القعقاع بن
حكيم: كنت عند المهدي وقد أتي بسُفْيان الثَّوري، فلما دخل عليه سلم تسليم العامة
ولم يسلم بالخلافة، والربيع قائم على رأسه متكئًا على سيفه يرقب أمره (أي حاله)،
فأقبل عليه المهدي بوجه طلق، وقال له: يا سُفْيان، تفر منا ها هنا وها هنا، وتظن
أنَّا لو أردناك بسوء لم نقدر عليك؟! فقد قدرنا عليك الآن، أفما تخشى أن نحكم فيك
بهوانا؟! قال سُفْيان: إن تحكم فيَّ يحكم فيك ملك قادر، يفرُقُ بين الحق والباطل،
فقال له الربيع: يا أمير المؤمنين، ألهذا الجاهل أن يستقبلك بمثل هذا؟! ائذن لي أن
أضرب عنقه، فقال له المهدي: اسكت ويلك، وهل يريد هذا وأمثاله إلا أن نقتلهم فنشقى
بسعادتهم؟! اكتبوا عهده على قضاء الكوفة على ألا يعترض عليه في حكم، فكتب عهده
ودفع إليه، فأخذه وخرج، فرمى به في دجلة وهرب، فطلب في كل بلد فلم يوجد؛ (وفيات
الأعيان لابن خلكان جـ 2 صـ 390).
تواضُع الثَّوري:
(1) قال أبو عيسى
الحواري: لما قدم سُفْيان الثَّوري الرملة - أو بيت المقدس - أرسل إليه إبراهيم بن
أدهم: تعالَ حدِّثْنا، فقيل له: يا أبا إسحاق، تبعث إليه بمثل هذا؟!قال: إنما أردت
كيف تواضعه،قال: فجاء فحدثهم؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6 صـ 367).
(2) قال
عبدالرزاق بن همام: رأيت سُفْيان الثَّوري بصنعاء اليمن يملي على صبي ويستملي له؛
(حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6 صـ 370).
منزلة علم الحديث
عند الثَّوري:
(1) قال سُفْيان
الثَّوري: الحديث أكثر من الذهب والفضة، وليس يدرك، وفتنة الحديث أشد من فتنة
الذهب والفضة؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6 صـ 363).
(2) قال سُفْيان
الثَّوري: كان الرجل إذا أراد أن يكتب الحديث تأدَّب وتعبَّد قبل ذلك بعشرين سنةً؛
(حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6 صـ 361).
منزلة سُفْيان
العلمية:
(1) قال محمد بن
عبيدٍ الطنافسي: لا أذكر سُفْيان الثَّوري إلا وهو يفتي، أذكر منذ سبعين سنةً ونحن
في الكتَّاب تمر بنا المرأة والرجل فيسترشدوننا إلى سُفْيان؛ ليستفتوه، فيفتيهم؛
(حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6 صـ 356).
(2) قال شعبة بن
الحجاج: سُفْيان الثَّوري أمير المؤمنين في الحديث؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6
صـ 356).
(3) قال المثنى
بن الصباح: سُفْيان الثَّوري عالم الأمة وعابدها؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6
صـ 356).
(4) قال بشر بن
الحارث: كان سُفْيان الثَّوري عندي إمامَ الناس؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6 صـ
357).
(5) قال مبارك بن
سعيدٍ: رأيت عاصم بن أبي النَّجود يجيء إلى سُفْيان الثَّوري يستفتيه، ويقول:
أتيتنا يا سُفْيان صغيرًا، وأتيناك كبيرًا؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6 صـ
357).
(6) قال أيوب بن
سويدٍ: ما سألنا سُفْيان الثَّوري عن شيءٍ، إلا وجدنا عنده أثرًا ماضيًا، أو أثرًا
من عالمٍ قَبْله؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6 صـ 359).
(7) قال سليمان
بن حيان: كنا نصحب سُفْيان الثَّوري وقد سمعنا ممن سمع منه؛ إنما نريد منه تفسير
الحديث؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6 صـ 366).
قبس من كلام
الثَّوري:
(1) قال سُفْيان
الثَّوري: ليس عمل بعد الفرائض أفضل من طلب العلم؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6
صـ 363).
(2) قال سُفْيان
الثَّوري: لا نزال نتعلم العلم ما وجدنا من يعلِّمنا؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ
6 صـ 363).
(3) قال سُفْيان
الثَّوري: لو أن البهائم تعقِلُ مِن الموت ما تعقِلون، ما أكلتم منها سمينًا؛
(حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6 صـ 392).
(4) قال سُفْيان
الثَّوري: "إنما سُميت الدنيا؛ لأنها دنيَّة، وسمي المال؛ لأنه يميل
بأهله"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 7 صـ 10).
(5) قال سُفْيان
الثَّوري: الأعمال السيئة داء، والعلماء دواء، فإذا فسد العلماءُ فمَن يشفي الداء؛
(حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6 صـ 361).
(6) قال سُفْيان
الثَّوري: إذا زهد العبد في الدنيا، أنبَت الله الحكمة في قلبه، وأطلق بها لسانه،
وبصَّره عيوبَ الدنيا وداءَها ودواءَها؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6 صـ 389).
(7) قال سُفْيان
الثَّوري: إذا عرَفت نفسك، فلا يضرُّك ما قيل فيك؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6
صـ 390).
(8) قال سُفْيان
الثَّوري: "يُكتَب للرجل من صلاته ما عقَل منها"؛ (حلية الأولياء لأبي
نعيم جـ 7 صـ 61).
(9) قال سُفْيان
الثَّوري: إذا رأيت الرجل حريصًا على أن يؤتمَّ، فأخِّرْه؛ (حلية الأولياء لأبي
نعيم جـ 6 صـ 390).
(10) قال سلام بن
سليمٍ: قال لي سُفْيان الثَّوري: عليك بعمل الأبطال؛ الكسب من الحلال، والإنفاق
على العيال؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6 صـ 381).
(11) قال سُفْيان
الثَّوري: ليس الزهد في الدنيا بلبس الخشن، ولا أكل الجشب، إنما الزهد في الدنيا
قِصَر الأمل؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 6 صـ 386).
(12) قال سُفْيان
الثَّوري: "ما رأيت الزاهد في شيءٍ أقل منه في الرياسة، ترى الرجل يزهد في
المطعم والمشرب والمال والثياب، فإذا نوزع في الرياسة حامى عليها وعادى"؛
(حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 7 صـ 39).
(13) قال رجل
لسُفْيان: أوصني، فقال: اعمل للدنيا بقدر بقائك فيها، واعمل للآخرة بقدر دوامك
فيها؛ (وفيات الأعيان لابن خلكان جـ 2 صـ 387).
(14) قال سُفْيان
الثَّوري: لا يفقه عبد حتى يعُدَّ البلاء نعمةً، والرخاء مصيبةً؛ (المصنف لابن أبي
شيبة جـ 12 صـ 278 رقم: 36682).
وفاة سُفْيان
الثَّوري:
لما حضَر الموتُ
سُفْيانَ الثَّوريَّ جزع، فقال له مرحوم بن عبدالعزيز: يا أبا عبدالله، ما هذا
الجزع؟ إنك تقدَمُ على الرب الذي كنت تعبده، فسكن وهدأ، وقال: انظروا مَن ها هنا
مِن أصحابنا الكوفيين، فأرسلوا إلى عبادان، فقدم عليه عبدالرحمن بن عبدالملك بن
أبجر، والحسن بن عياشٍ أخو أبي بكر بن عياشٍ، فأوصى إلى عبدالرحمن بن عبدالملك،
وأوصاه أن يصلي عليه، فأقاما عنده حتى مات، فأخرج بجنازته على أهل البصرة فجأةً،
وسمعوا بموته، وشهِده الخلق، وصلى عليه عبدالرحمن بن عبدالملك، وكان رجلًا صالحًا رضيه
سُفْيان لنفسه، ونزل في حفرته، ونزل معه خالد بن الحارث وغيرهما، ودفنوه، ثم انصرف
عبدالرحمن بن عبدالملك والحسن بن عياشٍ إلى الكوفة، فأخبَرَا أهلها بموت سُفْيان
رحمه الله؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ 6 صـ 373).
نظر حماد بن زيدٍ
إلى سُفْيان الثَّوري (أي: بعد وفاته) مسجى بثوبٍ على السرير، فقال: يا سُفْيان،
لست أغبِطُك اليوم بكثرة الحديث؛ إنما أغبطك بعملٍ صالحٍ قدمتَ؛ (حلية الأولياء
لأبي نعيم جـ 6 صـ 371).
توفي سُفْيان
الثَّوري (رحمه الله) بالبصرة في شعبان سنة إحدى وستين ومائةٍ؛ (الطبقات الكبرى
لابن سعد جـ 6 صـ 371).